القراءة العامة لما جرى ويجري في حلب، ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج طبيعي للحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني ضد سوريا على مدى السنوات الماضية من عقوبات شديدة فاقت القدرات التي أضرت بشعب سوريا، اكثر مما طالت الحكومة السورية، إلى جانب العدوان الصهيوني والانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال من عمليات عسكرية وعمليات أخرى تقوم بها قوات أمريكية ضد الأراضي السورية.
ومنذ 2016 وقبل ذلك وسوريا تواجه منفردة حجما كبيرا من التدمير، من صناعة أمريكية وصهيونية، من خلال ما يمكن تسميته باللهجة المصرية "منع الحليبة والرابية"، عن سوريا شعبا وحكومة، و"موت بطئ" للحياة، وحرمان البلاد من أي مقومات تدفع بها إلى أي نوع من النمو، بهدف خنق البلاد والوصول بها إلى "الموت السريري".
واستغلت الولايات المتحدة كل حلفائها في الداخل والخارج السوري لتجويع وخنق سوريا بشتى الوسائل، بينهم الأكراد للسيطرة على النفط السوري، مما حرم البلاد من موارد الطاقة، بخلاف دعم الكيان الصهيوني في تنفيذ عمليات عسكرية على الأراضي السورية في انتهاك دولي لا يخفي على أحد.
ولا يختلف أحد على أن قوى خارجية منها واشنطن تدعم الجماعات المتطرفة والإرهابية من التيارات الإسلامية المتشددة وغيرها بالمال والسلاح والتدريب على مدى نحو عشر سنوات، وتحاول تأهيلها للسيطرة على البلاد، ولم يكن متبقٍيا إلا تحديد التوقيت المناسب، للقيام بعملية مباغتة على أكبر ثاني مدينة والعاصمة الاقتصادية والصناعية، وهي (حلب)، وهو ما كان.
وفي ظل وضع متردي كان الدخول والسيطرة على أجزاء رئيسية من حلب، وبسرعة لم تكن متوقعة، وبشكل مفاجئ قامت بها الجماعات المسلحة في سوريا، وحتما أنها مدعومة خارجيا، وفي غضون ثلاثة أيام تمت السيطرة على جزء كبير من المدينة.
ولا يمكن أن تمر الأمور هكذا دون ربط عمليات الجماعات الإرهابية المسلحة في حلب، بما جري ومازال يجري في لبنان من عدوان صهيوني تجاوز الستين يوما، ومن قبله على غزة دخل نحو العام والشهرين، حيث تم اختيار الوقت المناسب بدفع مثل تلك الجماعات لما قامت وما تقوم به، مع مخطط للكيان الصهيوني بفرض حظر جوي على مساعدات عبر الممرات الجوية في اتجاه سوريا، وهو دليل قوي جديد على الاشتراك في دعم كل العمليات العسكرية ضد الدولة السورية.
وتتفق التحليلات السياسية في وسائل الإعلام، على أهمية طرح السؤال المهم "لماذا بدأت أعمال الجماعات المسلحة على حلب، في توقيت متزامن مع التوصل لقرار وقف إطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني؟".
والإجابة الواقعية.. تتركز في البحث عمن له مصلحة في محاولات اسقاط أو إزاحة النظام السوري عن الحكم، والمؤكد أنها الولايات المتحدة، مع الكيان الصهيوني، وهو ما أكدته وجود صواريخ "لاو" استخدمتها الجماعات المسلحة في حلب، ومكتوب عليها باللغة العبرية.
ولا شك أن الدعم الصهيوني هو جزء من مخطط لاستكمال ما يسعى إليه الصهاينة ومن ورائهم واشنطن، لإسقاط ما تبقى من قوى المقاومة في المنطقة، بعد تقليص قوى "حماس وحزب الله"، ولو بشكل نسبي، كان لابد من توجيه ضربات ضد نظام "بشار الأسد" المعادي لإسرائيل، في ظل تحييد عواصم عديدة من دائرة الصراع ما كان يسمى بـ"العربي الإسرائيلي".
وفي تحليلات لصحف أوروبية وخصوصا الفرنسية منها، نقلتها مواقع ووكالات عربية، مثل "لو جورنال دي ديمانش"، و"لاكروا"، هناك اتفاق واضح بين أعداء سوريا على أن اشتعال الصراع في الداخل السوري، ونشوب حرب تعد بمثابة "حرب أهلية"، لتحقيق المصالح الإسرائيلية وكل من يساندها في هذه الإقليم من العالم.
ولا يمكن أن نستبعد حالة الضعف التي يعاني منها الجيش السوري، في ظل حصار اقتصادي على سوريا، بخلاف خروج قوات حزب الله (الحليف الرئيسي لدمشق)، من حلب ومدن أخرى، مع قيام القوات الجوية الصهيونية بعمليات عسكرية على الأراضي السورية استهدفت مواقع استراتيجية، لتهيئة الأوضاع للجماعات المسلحة للقيام بعمل كبير ومباغت ضد الدولة السورية، وكات الاختيار الأفضل هو "حلب"، والتي فشلت فيه محاولات سابقة لنفس الجماعات قبل نحو 9 إلى 10 سنوات.
وما يثير القلق، وجود حالة من التشابك في أحداث حلب، خصوصا بشأن ما تم تداوله من أنباء، وتحليلات بشأن وجود دور أوكراني في هذا الصراع، والحرب في الداخل السوري، في إطار تصفية الخلافات بين كييف وموسكو عبر حلفائها في المنطقة، وتحديدا دمشق، بقيام أوكرانيا بتدريب عناصر من الجماعات المسلحة، ومدها بطائرات مسيّرة، حصلت عليها من أوروبا، وغيرها.
التساؤلات والإجابات عليها مهمة.. ومنها.. هل تخطو المنطقة وبسرعة كبيرة لتفريغها من أجل أمن وسلامة "الكيان الصهيوني" وعلى حساب الجميع، بالانفراد بكل قوة يعتبرها خطرا عليه؟.. حتى لو باستخدام سياسة الحرب بالإنابة؟ وسوريا هي الأحدث ... ويبقى من هو القادم؟!.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري